تُصنّف رواية ثلاثية غرناطة لمؤلفتها المصرية رضوى عاشور على أنها من الروايات التاريخية، أعادت الكاتبة من خلالها التاريخ المُهمّش إلى الواجهة حسب ما ذكرت نزهة الأنصاري في قراءتها التحليلية لهذه الرواية، وقد لاقت اهتمامًا واضحًا من القُرّاء وشغلت حيزًا كبيرًا من دراسات النقاد والدارسين، وفي هذا المقال قدمنا لكم تحليلًا مفصلًا لها.
تحليل رواية ثلاثية غرناطة
تُشير الكاتبة نزهة الأنصاري إلى أنّ مؤلفة رواية ثلاثية غرناطة أعادت تشكيل تاريخ مُهمّش لتنسج أحداث التاريخ بالخيال، إذ ألقت الضوء على الحقبة التي خرج منها العرب من الأندلس تحت حكم القشتاليين، واتخذت منها رمزًا للحديث عن الواقع العربي المعاصر،[١] ولتوضيح الفكرة التي تريد الكاتبة إيصالها تم تفكيك الرواية إلى عناصرها الأساسية وتحليلها على النحو الآتي:
العنوان
وفقًا لما ورد عن الدارسين لهذه الرواية جاء العنوان مُحمّلًا رؤية فنية تاريخية؛ إذ مهّد للقارئ الموضوع العام الذي ستطرحه الكاتبة بين أحداث روايتها وتقسيمها إلى ثلاثة أجزاء مرتبطة مع بعضها البعض لإبراز الفكرة التي تريد الكاتبة إيصالها في النهاية.
المكان
دارت أحداث هذه الرواية في الأندلس (غرناطة) تحديدًا، ويُلاحظ أنّ للمكان في هذا العمل الروائي خصوصية كبيرة؛ إذ إنّ (غرناطة) بطلة الرواية ما زال جرح سقوطها محفورًا في الذاكرة، وهي رمز الحضارة والمجد والعز عند العرب والمسلمين، وفي هذه المدينة تصف رضوى عاشور العديد من الأماكن لتُعطي صورةً كاملةً عن الحياة فيها، وتغرس في نفس القارئ الألم الذي عايشته هذه المدينة وأهلها.[٢]
الشخصيات الرئيسية
تدور أحداث رواية ثلاثية غرناطة بين عدد من الشخصيات الرئيسية وفقًا لما ورد في دراسة تحليلية لهذه الرواية للوزيرة بلباش، وهي:
- أبو جعفر: هو جد العائلة أبو جعفر الوراق، راعي العائلة التي تدور حولها الأحداث، ساهم في بناء الرواية بنسبة كبيرة رغم أنّ وجوده فيها لم يكن كثيرًا.
- حسن: هو ابن أبو جعفر، متسمكّ بتعليمات التنصير والذهاب إلى الكنيسة.
- سليمة: هي حفيدة أبو جعفر، متعلقة كثيرًا بالكتب، مما أدى إلى نفور دائم بينها وبين زوجها (سعد) واتهامها بالسحر والشعوذة، وقد حكم عليها بالموت حرقًا.
- نعيم: هو شخص محب للاكتشاف، يطوف الأرض مع قسّيس يؤدي دورًا مهمًا.
- مريمة: هي الشخصية الرئيسية في الجزء الثاني من الرواية، وهي زوجة حسن امرأة فطنة وذكية.
- علي: هو حفيد مريمة، أصرّ على البقاء في أرضه، فبعد وفاة أمه وأبيه يعيش مع جدته التي تستقر في قرية الجعفرية، وهو الشخصية الرئيسية في الجزء الثالث من الرواية.
الشخصيات الثانوية
تدور أحداث رواية ثلاثية غرناطة بين عدد من الشخصيات الثانوية وفقًا لما ورد في دراسة تحليلية لهذه الرواية للوزيرة بلباش، وهي:
- سعد: هو زوج سليمة، ينضم إلى المجاهدين وينتهي المطاف في أحد السجون.
- أبو منصور: هو صاحب حمامات يحب مساعدة الناس حتى يصدر قرار بإغلاق حماماته.
- عمر الشاطبي: هو شيخ قرية الجعفرية وكبيرهم، لم تعتمد عليه الكاتبة بكثرة في الرواية.
- أبو عبد الله الصغير: ورد في بداية الرواية عندما أعلن عن استسلامه بعد أن ضاعت البلاد من يديه (شخصية حقيقية).
- الملك فرديناند والملكة إيزابيل: هما الملكان القشتاليان اللذان وقّعا اتفاقية تسليم غرناطة (شخصية حقيقية).
- موسى بن أبي الغسان: هو قائد عربي مسلم، من القادة الذين حضروا اجتماع الحمراء لبحث بنود معاهدة التسليم مع قشتالة، لكنه رفضها رفضًا قاطعًا (شخصية حقيقية).
الأحداث الرئيسية
تقسم رواية ثلاثية غرناطة إلى ثلاثة أجزاء؛ الجزء الأول (غرناطة)، والجزء الثاني (مريمة)، والجزء الثالث (رحيل)، تمهّد رضوى عاشور في الجزء الأول للحديث الرئيس (سقوط غرناطة وما تعرّض له العرب على يد القشتاليين) وتحكي قصة عائلة أبي جعفر الوراق وأفرادها الذين ينتمون إلى أربعة أجيال متتالية، فتصف الكاتبة ما مرّ من أحداث وسيطرة للقشتاليين على العرب، وينتهي هذا الجزء بموت أبي جعفر وفرار موسى بن أبي الغسان إلى جهة مجهولة.[٣]
أما في الجزء الثاني فتحكي قصة مريمة ابنة الشيخ إبراهيم وحبها للكتب وما يجري معها من أحداث يومية وعلاقتها بنساء الحي، كما تعرض الكاتبة دور محاكم التفتيش القشتالية في ممارسة العنف ضد النساء والأطفال، وفي الجزء الثالث تتناول الكاتبة قصة علي حفيد مريمة ورحيله إلى قرية الجعفرية وتنقله من مكان إلى آخر، بالإضافة إلى ذكر علاقاته بالنساء، وانضمامه إلى رجال المقاومة بعيدًا عن الجواسيس.[٣]
العقدة والحبكة
وفقًا لما ورد عن سعاد العنزي في تحليلها لهذه الرواية تزداد هيمنة الدولة القشتالية، وتتعرض المرأة للمزيد من القهر والظلم في هذه الدولة التي لم تتقبل وجود امرأة متعلمة تقرأ الكتب وتعالج المرضى؛ لأنهم يحاربون العلم بصورة عامة والعلوم الإسلامية بصورة خاصة، ولا يريدون للعرب المسلمين أن يقرؤوا ويتعلموا، فتظهر عقوبات صارمة لجريمة "اقتناء الكتب"، ويتم تطبيق هذا الظلم والعنف على جميع العرب.
الحل
تنتهي الرواية بموت كوثر حبيبة علي قتلًا على يد أخيها، وإصرار عليّ على العودة إلى غرناطة وحيّيه حي البيازين حيث صندوق جدته المدفون متحملًا مسؤولية هذا القرار.[٣]
السمات الفنية في رواية ثلاثية غرناطة
اتسمت رواية ثلاثية غرناطة بعدد من الخصائص والسمات الفنية، منها على سبيل الذكر لا الحصر ما يأتي:[٤]
- استخدام تقنية المفارقة الدرامية، والتي تساهم في دعم بناء الرواية الدرامي التاريخي، ويتجسّد ذلك من خلال إظهار التوازن بين المتناقضات.
- استخدام أسلوب التقرير السردي، فكانت الأفعال الماضية والمضارعة موجودة بكثرة، الأمر الذي يدفع القارئ للشعور بتتابع الأحداث وتعاقبها.
- التنويع بين استخدام الحوار الداخلي والحوار الخارجي.
- استخدام لغة ذات طابع درامي قادرة على إثارة مُخيّلة القارئ.
- تعدد المستويات اللغوية في الرواية؛ إذ جمعت بين البساطة التي تمثلت بلغة الحديث اليومي، واللغة العميقة المنبثقة عن وعي وإدراك.
ولقراءة تحليل المزيد من الروايات التاريخية: رواية النداء الخالد، رواية سمرقند.
المراجع
- ↑ زهير محمود عبيدات، دراسة في رواية الروائية رضوى عاشور، صفحة 3. بتصرّف.
- ↑ خلود جراد، تطور البناء الدرامي التاريخي في روايات رضوى عاشور، صفحة 122. بتصرّف.
- ^ أ ب ت صبحية عودة زعرب، تقنيات السرد الزمني في الرواية التاريخية، صفحة 5. بتصرّف.
- ↑ خلود جراد، تطور البناء الدرامي التاريخي في روايات رضوى عاشور، صفحة 131-139. بتصرّف.