تشكّل رواية عرس الزين لمؤلفها السوداني الطيب صالح البدايات الأولى لما يُعرف بالواقعية السحرية، وفقًا لما ورد عن الدكتورة نهى الزيني في قراءته التحليلية لها، وقد لاقت هذه الرواية اهتمامًا واضحًا من النقاد والدارسين ومن القراء أيضًا، وفي هذا المقال قدمنا لكم تحليلًا مفصلًا لها.
تحليل رواية عرس الزين
رصد الطيّب صالح في روايته هذه رصدت الانتماءات الاجتماعية المُشكّلة للمشهد القروي، وبيّن موقعها في التراتبية الاجتماعية، ووضّح النتاج الثقافي الذي ارتبط بالتّغيّرات الاجتماعية، التي عرفتها القرية السودانية في المنطقة الوسطى خلا العقود الأولى من القرن العشرين،[١]ولتوضيح الفكرة التي يريد الكاتب إيصالها تم تفكيك الرواية إلى عناصرها الأساسية وتحليلها على النحو الآتي:
العنوان
يُشار إلى أنّ العنوان في هذه الرواية جاء جاذبًا للقارئ ومثيرًا للاهتمام؛ إذ جعل القارئ يتصور أنّه عرس رجل جميل جدًا، الأمر الذي يعد مُغايرًا لما بين طيات الرواية، فبعد قراءتها يتفاجأ القارئ بصورة شخصية الزين المزدوجة بين ظاهر يجعله يبدو كالأبله وباطن حساس ينجذب لجمال النساء، وفقًا لما ورد عن الأستاذ الدكتور سعد بوفلاقة في قراءته الأسلوبية لرواية "عرس الزين".
المكان
يؤدي المكان دورًا مهمًا في بناء الرواية وتركيبها، وفي هذه الرواية عايش الكاتب الطيب صالح بكل تفاصيله وما يجري داخله، فالقرية هي المسرح الذي تتحرك
فوقه الشخصيات وتحيا فيه الأحداث، وسعى بذلك ليجعل من هذا الفضاء واقعًا حيًا، إذ إنّ أحداث هذه الرواية كلها تدور في القرية السودانية في الريف السوداني (كرما كول، مروى، وغيرهما)، الأمر الذي يشير إلى أنّ الكاتب لديه انتماء عميق للسودان، خاصةً القرية السودانية.[٢]
الشخصيات الرئيسية
تدور الأحداث في رواية عرس الزين بين عدد من الشخصيات الرئيسية، وهي:[٣]
- الزين: هو الشخصية الرئيسية والمحورية في الرواية، نشأ في بلدة سودانية في المنطقة الوسطى، وهو شخصية اجتماعية غريبة، يحب الفرح والضحك ويزرع الأمل والابتسامة في القلوب.
- نعمة: تمتاز نعمة بجمالها وقوة شخصيتها، تنتمي إلى عائلة مرموقة، وهي تمثل نوعًا مختلفًا للمرأة في الوسط الذي صورته الرواية، فاستطاعت أن تمارس حقها في اختيار زوجها.
الشخصيات الثانوية
تدور الأحداث في رواية عرس الزين بين عدد من الشخصيات الثانوية، وهي:[٤]
- الحنين: يمثل شخصية الرجل الصوفي والولي الصالح، وهو بمثابة الأب للزين، فقد كان يعطف عليه ويُرشده، وهو يمثل السلطة الروحية في أحداث هذه الرواية.
- عثمانة الطرشاء: تعدّ من شواذ القرية، فتعيش منبوذة ولا يقترب منها أحد، وهي أيضًا لا تخالط أحدًا، لكن كان الزين يعطف عليها ويرأف لحالها.
- بخيت المشوّه: يعيش معزولًا لا دور له في مجتمعه، فقد وُلِدَ مشوّهًا، وكان الزين صديقه الوحيد في البلدة.
- الإمام: يمتاز بفصاحة لسانه، وعُمق خطبه التي تدور حول الحساب والعقاب والجنة والنار، وهو الشخص الوحيد الذي يكرهه الزين وينزعج لوجوده.
- سيف الدين: هو شابّ ثري، يمتاز باستهتاره وعبثه الدائم، لم يفلح في أي مجال في حياته، فلا حرفة ولا عمل لديه.
- موسى الأعرج: هو رجل طاعن في السن يعيش منبوذًا في حافّة القرية، كان عبدًا رقيقًا عند الصائغ الذي كان يحبه ويعامله معاملة حسنة.
الأحداث الرئيسية
عاش الزين يتيم الأب، وكان ويعتبره أهل القرية من الدراويش أو من المبروكين، ومنذ ولادته تجلّت فيه صفة غريبة وهي الضحك، وكبر الزين وكان قبيح المنظر، لكنه وقع في حبّ عدة فتيات من القرية، وكان كلما أحب فتاة لفت إليها الأنظار وسرعان ما تتزوج، فعُرف الزين بذوقه الرفيع في الاختيار وأصبح ضيفًا عزيزًا عند النساء، لكن يشيع خبر زواج الزين من ابنة عمه نعمة في القرية كالصاعقة، فلم يصدق أهل القرية ذلك؛ إذ كيف يمكن لشخصية مثل الزين أن يتزوج من فتاة مثل نعمة كانت محطّ أنظار شباب القرية رفضتهم عندما تقدموا لخطبتها.[٥]
العقدة والحبكة
يبدأ تأزم الأحداث بسقوط أسنان الزين، ويسود في ذهن الجميع أنّه ليس بإمكانه استرجاع أسنانه، وأنه أبله وساذج، وتروّج له أمه أنه من أولياء الله الصالحين، وقد قوي ذلك الاعتقاد بصداقته بالحنين الذي يمثل الرمز الصوفي في الرواية، وفي يوم من الأيام يتعرض الزين لحادثة تسبب دخوله إلى مستشفى مروى، والغريب في الأمر أنّه بعد ذلك يعود بأسنان كاملة بيضاء لامعة، وبمظهر نظيف ومتأنّق، وبينما كان يروي ما حدث معه يدخل سيف الدين فيهجم عليه الزين حتى كاد أن يقتله لولا تدخل (الحنين)، الأمر الذي ساهم في تغيير سلوك (سيف الدين).[٦]
الحل
يبدأ تحول جديد في حياة سيف الدين ويُصبح متدينًا، ويُرضي موسى الأعرج بعد طرده من عمله، وتتحقق نبوءة الحنين بأنّ الزين سيتزوج بأجمل فتيات القرية، وبالفعل يتزوج الزين من نعمة، وتحلّ الخيرات والبركات على القرية بشكل متلاحق، ويتم عرس الزين في حفل مصالحة كبير، فقد توافد جمع كبير لحضور الحفل، وكان هذا العرس نعمة مباركة ومناسبة سعيدة لكي يجتمع فيها أهل القرية، فلم يكن عرس الزين وحده، بل كان عرسًا وفرحًا للجميع انتصرت فيه روح التسامح والحبّ.[٧]
السمات الفنية في رواية عرس الزين
يُشار إلى أنّ رواية عرس الزين تتسم بعدد من الخصائص والسمات الفنية، وفقًا لما ورد عن الباحث بابكر حبكاوي في دراسته التحليلية لهذه الرواية، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر ما يأتي:
- استخدام لغة سهلة بسيطة استطاع الكاتب من خلالها أن يُطوّع الرواية لتُستساغ عربيًا وعالميًا.
- جذب القارئ من خلال الخبر المُثير الذي استهل به الكاتب روايته.
- التأثر بالصوفية واستخدام عبارات دالّة على ذلك.
- وضوح التعلّق بالبيئة عند الكاتب واستخدام التصوير الرمزي للمحسوسات، كالنخلة، والجدول، وغيرهما.
ولقراءة تحليل المزيد من الروايات الواقعية: رواية أصوات، رواية القندس.
المراجع
- ↑ هجيرة مشروك، لامية جمعي، في رواية عرس الزّين الطيب صالح 2019.pdf الشخصية في رواية "عرس الزين" للطيب صالح، صفحة 39. بتصرّف.
- ↑ ليندة بولحية، أنيسة عزيري، البناء الدرامي في رواية "عرس الزين" للطيب صالح، صفحة 59. بتصرّف.
- ↑ لامية جمعي، هجيرة مشروك، في رواية عرس الزّين الطيب صالح 2019.pdf الشخصية في رواية "عرس الزين" للطيب صالح، صفحة 48. بتصرّف.
- ↑ لامية جمعي، هجيرة مشروك، في رواية عرس الزّين الطيب صالح 2019.pdf الشخصية في رواية "عرس الزين" للطيب صالح، صفحة 56. بتصرّف.
- ↑ نصيرة زنقي، وفاء الأقرع، كاملة.pdf البنية السردية في الرواية العربية المعاصرة، صفحة 41. بتصرّف.
- ↑ ليندة بولحية، أنيسة عزيري، البناء الدرامي في رواية "عرس الزين" للطيب صالح، صفحة 81. بتصرّف.
- ↑ ليندة بولحية، أنيسة عزيري، البناء الدرامي في رواية "عرس الزين" للطيب صالح، صفحة 84. بتصرّف.