تجمع رواية موسم الهجرة إلى الشمال لمؤلفها الروائي السوداني الطيب صالح بين الواقع والمتخيل والتاريخ في آن واحد، وقد نالت شهرة واسعة وعلقت في أذهان الكثير من القرّاء، وتناولها بالدراسة العديد من الباحثين والدارسين، وقد قدمنا لكم في هذا المقال تحليلًا موجزًا لهذه الرواية.[١]


تحليل رواية موسم الهجرة إلى الشمال

أراد الكاتب والروائي الطيب صالح من خلال هذه الرواية أن يُجسّد الصراع الأزلي القائم بين الشرق والغرب على أصعدة مختلفة، مبرزًا التمايز والمفارقات العديدة بين هاتين الحضارتين،[٢] وللتوضيح أكثر تم تحليل الرواية وتفكيكها إلى عناصرها الأساسية على النحو الآتي:


العنوان

يحمل عنوان الرواية "موسم الهجرة إلى الشمال" عدة مفارقات جدليّة؛ إذ يمكن أن يشير في دلالته العميقة إلى وجود صدمة نفسية وفكرية من جهة، ووجود جوّ درامي من جهة أخرى، فلفظ "الهجرة" في سياقه الكامل يعطي دلالة على أنها هجرة ثقافية مرتبطة بالزمان والمكان وليست مقتصرة على الخروج من الوطن فقط، أما لفظ "موسم" فهو يُعطي تلك الهجرة طابعًا جماعيًا، بينما لفظ "الشمال" يشير إلى أنّ هناك مكانًا آخر مغايرًا يُقابله وهو الجنوب، وبينهما اختلافات عديدة.[٣]


المكان

تدور أحداث رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" في عدة أماكن محورية ذات أهمية كبيرة في تحديد مسار الأحداث، وهي الخرطوم عاصمة السودان والقرية السودانية النائية، بالإضافة إلى لندن عاصمة بريطانيا، والقاهرة عاصمة مصر، كما وردت عدة أماكن أخرى كان دورها ثانويًا في الرواية وله أهمية أيضًا، والأماكن جميعها -الرئيسية والثانوية- معًا كانت ذات صلة بالمغزى الرئيس من هذا العمل الأدبي.[٤]


الشخصيات الرئيسية

تدور أحداث الرواية بين عدد من الشخصيات الرئيسية، وهي كالآتي:[٥]

  • مصطفى سعيد: يعد الشخصية المحورية والمحركة للأحداث، ويمتاز بأنه شخصية مضطربة ومتذبذبة، وهو طالب من أصول سودانية يهاجر من الجنوب -أي أفريقيا- إلى الشمال -أي أوروبا- بصفة طالب ثم يعمل محاضرًا في إحدى جامعات بريطانيا، فينخرط في ذلك المجتمع الغربي ويتبنى قيمه وعاداته.
  • الراوي: ظهرت شخصية الراوي من بداية الرواية إلى نهايتها، كان له أثر في الكشف عن مكنونات شخصية البطل مصطفى سعيد، كما سرد جانبًا من حياته والمواقف التي عايشها.


الشخصيات الثانوية

تدور أحداث الرواية بين عدد من الشخصيات الثانوية، منهم الآتي ذكرهم:[٦]

  • والدة مصطفى سعيد: توفي زوجها عندما كان مصطفى طفلًا صغيرًا، فتولّت تربيته وحدها حتى كبر وقرر السفر إلى الخارج.
  • والد الراوي: كان له دور في إخبار الراوي عن الشخص الغريب الذي كان مع مستقبلينه بعد عودته من أوروبا.
  • جدّ الرواي: هو رجل كبير في السن يقترب عمره من مئة عام، وقد كان عالمًا بكل شيء عن مصطفى، وهو يمثل الرجل الشرقي الذي بقي محافظًا على عراقته وتاريخه القديم.
  • حسنة بنت محمود: هي زوجة مصطفى سعيد، وقد كانت امرأة وفية محبة لزوجها ولم تنكر عشرتها معه بعد وفاته، لكن كانت نهايتها حزينة بقتلها لنفسها بعد زواجها من ود الريس.
  • ود الريس: يمثل شخصية الجيل القديم في القرية، أراد الزواج من حسنة أرملة مصطفى سعيد بالإجبار، فهي لا تريده ولا تريد الحياة معه.
  • جين موريس: هي فتاة تزوجها مصطفى سعيد في بلاد الغرب، كانت قوية ولا تُحتمَل، فقد كانت تهين مصطفى ولا تستجيب لأوامره، فكانت نهايتها أن قُتِلَت على يده.
  • محجوب: كان الصديق والمرافق الدائم لشخصية الراوي، ويقدم له النصائح في العديد من المواقف والأمور.
  • آن همند: هي فتاة أجنبية تدرس اللغات الشرقية وتنحدر من أسرة ثرية وذات مستوى اجتماعي مرموق، استطاع مصطفى سعيد أن يحصل منها على ما يُريد.
  • مستر روبنسون وزوجته: كانا يشكّلان العائلة الحاضنة لمصطفى سعيد في القاهرة، فمنحاه العطف والحنان الذي حرم منه.


الأحداث الرئيسية

تبدأ الرواية بمشهد عودة الراوي من أوروبا إلى قريته بعد أنهى دراسته هناك، والناس ملتفة حوله وهو يسرد لهم رحلته في أوروبا مظهرًا مشاعره نحو الوطن والقرية، والأهالي تسأله عن أوروبا وأهلها وعاداتهم والراوي يجيب عنها، ومن بين هذه الجموع كان هناك رجل غريب التزم الصمت وأثار انتباه الراوي، مما أثار الفضول في نفسه لمعرفة كل شيء عنه لاعتقاده أنه شخص يحمل أسرارًا كثيرة، وقد عرف من والده أنّ هذا الرجل هو "مصطفى سعيد"، فبدأ الرواي يدعوه إلى بيته لمعرفة المزيد عنه، فيقرر مصطفى بعد إلحاح أن يحكي للرواية حكايته فيعود بالذاكرة ساردًا ما جرى معه.[٧][٨]


ومصطفى سعيد هو شاب سوداني نشأ بداية حياته في السودان يتيم الأب، ثم قرر إكمال دراسته الثانوية في القاهرة تاركًا أمه وحدها في بلدته، وفي القاهرة احتضنته عائلة السيد روبنسون، وبعد أن أنهى دراسته تم قبوله في جامعة لندن، فسافر إلى هناك ليرى وجهًا آخر من العالم وتبدأ المقارنات بين الشرق والغرب، ويصبح مصطفى سعيدًا متشربًا للعادات الغربية وتكون هوايته تصيّد النساء.[٧][٨]


العقدة

يُقدم مصطفى سعيد على قتل إحدى النساء اللواتي تعرف عليهن وهي "جين موريس"، كما يتهم بأنه السبب وراء انتحار أخريات فيُحكَم عليه بالسجن مدة سبع سنوات، وبعد انتهاء المدة يعود إلى وطنه السودان.[٧][٨]


الحل

يعود مصطفى إلى قريته ويتزوج من حسنة وينجب منها ولدين، ويصبح رجلًا محافظًا لا يختلط مع الناس، وتبقى قصته عالقة في ذهن الراوي، حتى يسمع خبر وفاته بعد أن سقط في النهر، تاركًا رسالة للراوي بأن يعتني بزوجته وأولاده، فيبقى تفكير الراوي متمحورًا حول مصطفى وعائلته، وبعد وفاة مصطفى يسعى ود الريس المعروف بسيرته وسمعته السيئة إلى الزواج من أرملته التي لا تريده، وينجح في ذلك لكنها تقتله ثم تقتل نفسها، فيشعر الراوي بالندم الشديد لعدم اهتمامه بها.[٧][٨]


السمات الفنية في رواية موسم الهجرة إلى الشمال

تتسم رواية موسوم الهجرة إلى الشمال بمجموعة من الخصائص والسمات الفنية، منها الآتي ذكره:[٢][٩]

  • توظيف السفر والترحال في الرواية، الأمر الذي يجعلها متقاطعة مع أدب الرحلة في بعض الواضع.
  • بروز الثنائيات الضدية والمفارقات في هذه الرواية.
  • وجود علاقة ترابطية قوية بين العناصر السردية.
  • التنويع في التقنيات السردية والزمنية المستخدمة في الرواية.
  • استخدام لغة سردية راقية ذات مستوى عالٍ.



ولقراءة تحليل المزيد من الروايات التي تتناول العلاقة بين الشرق والغرب: رواية عصفور من الشرق، رواية الحي اللاتيني.

المراجع

  1. ميلود شنوفي، الذات والآخر في رواية موسم الهجرة إلى الشمال، صفحة 2. بتصرّف.
  2. ^ أ ب سعاد العمراوي، النهائية (Réparé).pdf جدلية الشرق والغرب في رواية موسم الهجرة إلى الشمال، صفحة 103. بتصرّف.
  3. جهاد عواض، جدلية العلاقة بين المداخل النصية والمتن السردي في رواية موسم الهجرة إلى الشمال، صفحة 8. بتصرّف.
  4. أحمد كُريّم بلال، جدلية الرمز والواقع دراسة نقدية تطبيقية في رواية موسم الهجرة إلى الشمال، صفحة 99. بتصرّف.
  5. مباركي أميرة، سحنون ريان الجنة، البنية السردية في رواية موسم الهجرة إلى الشمال، صفحة 34-39. بتصرّف.
  6. مباركي أميرة، سحنون ريان الجنة، البنية السردية في رواية موسم الهجرة إلى الشمال، صفحة 39-42. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت ث سعاد العمراوي، النهائية (Réparé).pdf جدلية الشرق والغرب في رواية موسم الهجرة إلى الشمال، صفحة 112. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث مباركي أميرة، سحنون ريان الجنة، البنية السردية في رواية موسم الهجرة إلى الشمال، صفحة 78. بتصرّف.
  9. مباركي أميرة، سحنون ريان الجنة، البنية السردية في رواية موسم الهجرة إلى الشمال، صفحة 67. بتصرّف.