تعد رواية ريح الجنوب لمؤلفها الجزائري عبد الحميد بن هدوقة من الروايات الجزائرية الناضجة، وقد حازت على عناية واضحة من النقاد والدارسين ومن القراء أيضًا، وفي هذا المقال قدمنا لكم تحليلًا مفصلًا لها.[١]
تحليل رواية ريح الجنوب
حاول الكاتب عبد الحميد بن هدوقة في هذه الرواية إبراز الواقع المُعاش بعد الثورة الجزائرية، ومعالجة موضوع مهم وهو الأرض والمرأة بصورة خاصة، وسعي المرأة لكسر قيود المجتمع، وفقًا لما ورد عن الباحثة مريم حماد في بحثها عن هذه الرواية، ولتوضيح الفكرة التي يريد الكاتب إيصالها تم تفكيك الرواية إلى عناصرها الأساسية وتحليلها على النحو الآتي:
العنوان
حسب ما ورد عن الأستاذ عمار حلاسة في دراسته لهذه الرواية يُشار إلى أنّ الكاتب اختار عنوان روايته هذه بدقة وذكاء، فقد أدى دورًا في إضاءة النص والكشف عن بعض مكنوناته؛ إذ إنّ لفظ "ريح" جاء مُعبرًا عن القدر العنيف من الهزات التي تعترض المجتمع الذي تدور فيه أحداث الرواية، لذلك وظّفها الكاتب بمعناها التراثي لما سيحدث فيه، ونسبة الريح إلى " الجنوب" تجعل القارئ يتوجّه بأنظاره إلى ريح محددة ذات علامات معينة، فكان لفظ "الجنوب" رمزًا اختاره الكاتب ليُبرز من خلاله طبيعة الريح التي يقصدها.
المكان
تدور أحداث رواية ريح الجنوب في (القرية) الجزائرية، وجزء منها في (الجزائر العاصمة)، إذ برزت فيها ثنائية القرية والمدينة، وبصورة عامة تقسم الأماكن في هذه الرواية إلى أماكن مغلقة (مثل البيت والغرفة) وأخرى مفتوحة (مثل الشارع والمقهى)، وقد جاءت هذه الثنائية لتجعل القارئ في حالة من النشاط الفكري وتُثير لديه الكثير من التساؤلات.[٢]
الشخصيات الرئيسية
تدور أحداث رواية ريح الجنوب بين عدد من الشخصيات الرئيسية حسب ما ورد عن الباحثة مريم حماد في بحثها حول سيميائية الشخصيات في هذه الرواية، وهي:
- نفيسة: هي فتاة جميلة ومثقفة، تتميز بأنها ذات شخصية مضطربة وقلقة وخائفة، وقد قضت جزءًا من حياها عند خالتها في العاصمة، الأمر الذي جعلها ترفض العيش في قريتها.
- رحمة: هي امرأة كبيرة في السن، تواجه صعوبة في الحركة والمشي، قضت حياتها في القرية وصناعة الفخار، وهي امرأة محبوبة من أهل قريتها.
- رابح الراعي: هو شلبّ أُمي لم يتلقَّ أي تعليم، قضى معظم حياته في رعي الأغنام، ويعد شخصية سعيدة بالرغم من صعوبة حياته، لكنه في نفس الوقت كان يشعر بالوحدة والشوق، وقد ظهر ذلك من خلال عزفه على الناي.
- عابد بن القاضي: هو والد نفيسة، يعد شخصًا مُنافقًا ومخادعًا، وهو من مُلّاك الأرض الكبار، إذ يملك نصف أراضي القرية.
- مالك: هو شخصية متزنة يغلب عليها الحزن واليأس، له هيبة وحضور بين أهل القرية.
الشخصيات الثانوية
تدور أحداث رواية ريح الجنوب بين عدد من الشخصيات الثانوية، حسب ما ورد عن الباحثة مريم حماد في بحثها حول سيميائية الشخصيات في هذه الرواية، وهي:
- سي الطاهر: هو صديق مالك تربطه به علاقة بعيدة عن الكُلفة والمجاملة، وكان يعمل معلمًا في القرية، وهو شخصية بسيطة ومحبوبة.
- الحاج قويدر: هو صاحب المقهى، رجل تجاوز السبعين من عمره ويتمتع بصحة جيدة، وهو شخصية تتمتع بالأمل والتفاؤل.
- خيرة: هي والدة نفيسة وزوجة عابد بن القاضي، كانت تشعر بالحزن إزاء تصرفات ابنتها معها، وهي امرأة طيبة لكنها تعيش حياة القهر والذل.
- عبد القادر: هو شقيق نفيسة وابن عابد بن القاضي، طفل مُطيع ويساعد الآخرين.
الأحداث الرئيسية
تنطلق أحداث الرواية في صباح يوم الجمعة -وهو يوم السوق-، ويستعد عابد بن القاضي للذهاب إلى السوق مع ابنه عبد القادر، ويقف قرب الدار متأملًا أراضيه وقطيع الغنم الذي يقوده الراعي رابح، ويفكر بالإشاعات التي بدأت تُروّج منذ صدور القرارات المتعلقة بالتسيير الذاتي حول الإصلاح الزراعي، ثمّ خطرت بباله فكرة بعثت في نفسه السرور حين نظر من الخارج إلى غرفة ابنته نفيسة، يتلخص مضمونها في تزويج ابنته من مالك شيخ البلدية الذي يقوم بتأميم الأراضي، وفي ذلك الوقت كانت نفيسة داخل غرفتها تعاني من الضيق وتشعر بالضجر، وفجأةً تهدأ من حالة الاضطراب، عندما تسمع صوت أنغام حزينة كان يعزفها الراعي رابح.[٣]
بعد أيام تحتفل القرية بتدشين مقبرة لأبناء الشهداء الذين سقطوا أيام حرب التحرير، فيستقبل عابد بن القاضي أهل القرية في بيـته رغبة منه بالتأثير في مالك، ويسعى لإشاعة خبر خطوبة مالك من ابنته نفيسة على الرغم من تحفظ مالك، فتعلن خيرة هذا الخبر لابنتها التي ترفض بشدة لأنها لا ترغب بالبقاء في القرية، وحين يصر الأب على قراره تستنجد نفيسة بخالتها التي تسكن في الجزائر العاصمة.[٣]
العقدة والحبكة
تمر الأيام ويبقى الأب مصممًا على تزويج ابنته لمالك، فتفكّر نفيسة طويلًا في حل لمشكلتها، وتقرر الفِرار في النهاية، وتضع خطة محكمة للهروب، وتقرر تنفيذ خطتها يوم الجمعة لأن الرجال يتوجهون إلى السوق بينما النساء يتوجّهن إلى المقبرة، فتخرج متنكرة مرتدية بُرنس والدها حتى لا يعرفها أحد، وتتجه إلى المحطة عبر طريق يبدو كالغابة فيلدغها ثعبان ويغمى عليها، ويصادف أن يجدها رابح -الذي أصبح حطابًا- فيتعرف عليها ويعود بها إلى بيته لتعيش مع أمه البكماء، ولا يُخبر والدها بذلك لأنّها لا تريد العودة.[٣]
الحل
يشيع الخبر في القرية ويعلم والد نفيسة بوجودها عند رابح ويعزم على ذبحه، فينطلق إلى بيته ويهجم عليه بقوّة، فتنهار قوى رابح وتُسرع أمه إلى فأس ضاربة عابد بن القاضي على رأسه، وتسيل الدماء من رأسه ومن عنق رابح، وتنصرف الأم مسعفة ابنها والبنت مسعفة أبيها، بعد ذلك تدفع الأم نفيسة إلى خارج البيت وهي تصرخ، فتعود نفيسة إلى بيت أبيها بعد أن فشلت محاولتها في الهرب.[٣]
السمات الفنية في رواية ريح الجنوب
بعد قراءة رواية ريح الجنوب يُلاحظ أنها تتسم بعدد من الخصائص والسمات الفنية، منها على سبيل الذكر لا الحصر ما يأتي:[٤]
- اعتماد تقنية التذكر من خلال العودة إلى تاريخ الثورة الجزائرية زمن التحرير.
- اللجوء إلى تكثيف الحوار.
- الاستعانة بالتناص الذي يساهم في خدمة الفكرة التي يطرحها الكاتب.
ولقراءة تحليل المزيد من الروايات الجميلة: رواية فئران ورجال، رواية الوتد.
المراجع
- ↑ زهور شتوح، ريح الجنوب بين رواية "عبد الحميد بن هدوقة" وفيلم "محمد سليم رياض"، صفحة 7. بتصرّف.
- ↑ إلهام سرير، البنية المكانية في رواية ريح الجنوب، صفحة 27. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث زهور شتوح، ريح الجنوب بين رواية "عبد الحميد بن هدوقة" وفيلم "محمد سليم رياض"، صفحة 7. بتصرّف.
- ↑ سارة زاوي، البناء الفني في الرواية الجزائرية الحديثة، صفحة 29. بتصرّف.