تُصنّف رواية البؤساء لمؤلفها الأديب الفرنسي فيكتور هيجو على أنها من الروايات التاريخية والاجتماعية، صدرت في عام 1862م، وقد حازت على اهتمام كبير وواضح من النقاد والدارسين ومن القراء أيضًا، وفي هذا المقال قدّمنا لكم تحليلًا مُفصلًا لها.[١]
تحليل رواية البؤساء
يطرح فيكتور هيكو خلال صفحات روايته هذه قضايا متعددة مرتبطة بالظروف التي كانت سائدة في فرنسا آنذاك، كما غلب عليها الجانب السياسي وقسوة الحكم والصراعات، إلى جانب ذلك بدا في هذه الرواية فيكتور هيجو ساخطًا على التقاليد الاجتماعية والطبقات الاجتماعية التي تقع ضحيتها مجموعة من الناس المستضعفين واليائسين،[١] ولتوضيح الفكرة التي يريد الكاتب إيصالها تم تفكيك الرواية إلى عناصرها الأساسية وتحليلها على النحو الآتي:
العنوان
يُشار -حسب النقاد والدارسين- إلى أنّ هذه الرواية كانت مُيرةً للاهتمام ومُعبّرة عن الفكرة التي يُريد الكاتب إيصالها بدءًا من عنوانها؛ إذ جاء مُختصرًا ومُعبرًا عن حالة البؤس والظلم والظروف الاجتماعية السيئة التي كان يعيشها أبناء الطبقة الكادحة في فرنسا آنذاك كما ورد في أحداث الرواية.[٢]
المكان
تدور أحداث هذه الرواية في الأساس في (فرنسا) ومُدنها وقُراها، واختار فيكتور هيجو عدة أماكن من فرنسا لتدور الأحداث فيها وتتحرك فيها الشخصيات، وقد قسمت إلى أماكن مفتوحة (مثل الشارع والحديقة) وأخرى مغلقة (مثل البيت والسجن)، ويُلاحَظ أنها جاءت ملائمة ومتوافقةً مع دلالة العنوان (البؤساء)، مثل السجن والشارع وغيرهما من الأماكن التي تخدم الفكرة التي يُريد الكاتب إيصالها حول الظلم والكفاح الذي كانت تعيشه الشخصيات.[٣]
الشخصيات الرئيسية
دارت أحداث رواية البؤساء بين عدد من الشخصيات الرئيسية، وهي:[٤]
- جان فالجان/ السيد مادلين: يعد جان فالجان بطل الرواية، وهو شخصية غير ثابتة، كان فتى فقيرًا طيب القلب، يُعيل شقيقته وأطفالها فيضطر للعمل في أشغال عدة، ويتعرض جان في حياته للعديد من المواقف والمُنعطفات يتراوح خلالها مستواه بين المجد والحضيض.
- ماريوس: هو حفيد السيد جيلنورماد البرجوازي الكبير، وكان فتى قوي البنية يلفت إليه نظر الفتيات، وقد كان من أنصار نابليون بونابارت وجدّه من أنصار الملكية، فحُرم من الميراث وعاش فقيرًا خلال سنوات دراسته في الجامعة.
- فانتين: هي والدة كوزيت، أنجبتها نتيجة علاقة غير شرعية، فعاشت حياة بائسة واضطرت إلى التخلي عن ابنتها وبيعها لإحدى العائلات للاهتمام بها.
- كوزيت: تظهر كوزيت بشخصيتن مختلفتين تبعًا للمرحلة الزمنية من حياتها، كانت تعيش حياة قاسية وتعيسة في منزل العائلة التي أخذتها من أمها، ثم تلتقي بجان فالجان الذي يُنقذها ويأخذها إلى أحد الأديرة، فتتغير حياتها بعد ذلك.
الشخصيات الثانوية
دارت أحداث رواية البؤساء بين عدد من الشخصيات الثانوية، من أبرزها:[٤]
- جافير: هو رجل الشرطة الذي يؤدي واجبه بكلّ حزم مهما تكن الظروف، وحينما يتعرض للحيرة بين أداء واجبه وإلقاء القبض على جان فالجان وبين الإقرار بفضل جان عليه يُفضل الموت انتحارًا على نكران المعروف وعدم الالتزام بالواجب.
- الأسقف شارل ميريل: هو رجل دين صالح يُمثل القيم والأخلاق الحسنة، يعيش مع أخته غير المتزوجة (باتستين) وخادمتها (ماجلوار)، يُعرف بين أهل المدينة بكرمه الشديد رغم أنه ليس غنيًا، وفي يوم من الأيام يلجأ إليه جان فالجان فيُغيثه ويُكرمه.
- تيناردييه: هو رجل يجمع الحقد والشر والمكر في قلبه، يملك حانة يُديرها هو وزوجته.
- جورج بونتمارسي: هو جندي لدى نابليون، شارك في معركة واترلو، وقد سقط فيها جريحًا وتنقذه عائلة تيناردييه.
الأحداث الرئيسية
يطرح المؤلف فيكتور هيجو في روايته هذه قصة جان فالجان الذي كان يُعيل شقيقته وأطفالها بعد وفاة والديه، فعمل في التحطيب وحراثة الأرض وغيرهما، لكنّه بالرغم من ذلك لم يكن يحصل على المال الكافي، ففي يوم من الأيام اضطر إلى سرقة رغيف من الخبز فاعتقل وسُجن تسع عشرة سنة؛ خمس سنوات بتهمة السرقة وأربع عشرة سنة بسبب محاولته الهرب أربع مرات.[٥]
وبعد انقضاء مدة حكمه خرج جان فالجان من السجن ولم يجد من يستقبله ويُرحب به سوى الأسقف شارل مارييل، الذي استضافه وأحسن معاملته، وقدّم له العشاء ومكانًا ليبيت فيه، لكن في منتصف الليل يسرق جان فالجان أواني فضية ثمينة للأسقف مارييل، فتُلقي الشرطة القبض عليه، لكن الأسقف مارييل يُخبرهم أنه هو من أعطاهم إياه ويُعطيه أيضًا شمعدانين هدية، الأمر الذي جعل جان يُراجع نفسه ويفكر في مستقبله.[٥]
كما يعرض الكاتب قصة كوزيت التي أنجبتها والدتها (فانتين) نتيجة علاقة غير شرعية وباعتها لإحدى العائلات التي عاملتها بقسوة وكانت تكلّفها القيام بالأعمال المنزلية وتضربها وتأمرها بحمل الماء من المنبع، بينما كانت ابنتا تلك العائلة تلهوان وتلعبان وتنعمان بالمال الذي تبعثه والدة كوزيت.[٤]
العقدة والحبكة
يرحل جان فالجان إلى مدينة (مونفورميل) ليؤسس حياة جديدة هناك، فأصبح غنيًا وطيب القلب وغير اسمه إلى (السيد مادلين) وكسب المجد ومحبة الناس، وكما كان صعوده في المجد سريعًا كذلك انحدر إلى الحضيض؛ إذ شعر بالذنب عندما علم أنّ أحد الأبرياء يُحاكم بجرم اقترفه هو، فيتخلى عن مجده الاجتماعي ويُعلن في المحكمة براءة المتهم وأنه هو المذنب فيُلقى في السجن.[٤]
الحل
يفرّ جان فالجان من السجن ويلتقي مع كوزيت ويُخلصها من العائلة الظالمة التي كانت تعيش فيها ويأخذها إلى أحد الأديرة ويقضيان هناك سنوات عدة عمل خلالها جان بنّاءً، وعندما شعر أنّ الشرطة نسيته عاد مع كوزيت إلى باريس ليعيش حياة برجوازية، موزّعًا وقته بين المطالعة والتنزّه وعمل الخير، وهناك في إحدى الحدائق الفرنسية تلتقي كوزيت مع ماريوس ويعيشان قصة حب ويتزوجان، ويموت جان فالجان مرتاحًا بعد أن يُخبر ماريوس بحقيقته وقصته كاملةً.[٤]
السمات الفنية في رواية البؤساء
يُلاحظ بعد قراءة رواية البؤساء أنها اتسمت بالعديد من الخصائص والسمات الفنية، منها على سبيل الذكر لا الحصر ما يأتي:[٦]
- غلبة الطابع السردي في نقل أحداث الرواية بضمير الغائب.
- اللجوء إلى الاستطراد في بعض مواضع الرواية.
- التنويع بين استخدام الحوار المباشر والحوار غير المباشر في مُختلف مواضع الرواية.
- اللجوء إلى وصف الأماكن والأشخاص والأفعال بدقة.
- توظيف العديد من العبارات والألفاظ التي تحمل دلالات دينية.
ولقراءة تحليل المزيد من الروايات الاجتماعية: رواية دعاء الكروان، رواية ميرامار.
المراجع
- ^ أ ب بن عدودة زينب، دور الأدب في التربية والتوعية الاجتماعية، صفحة 52. بتصرّف.
- ↑ إكرام بقدور، مقارنة فنية بين البؤساء والمعذبون في الأرض، صفحة 140. بتصرّف.
- ↑ جديان رزيقة، المكان في رواية البؤساء لفكتور يغوا.pdf جمالية المكان في رواية البؤساء، صفحة 24. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج إكرام بقدور، مقارنة فنية بين البؤساء والمعذبون في الأرض، صفحة 173. بتصرّف.
- ^ أ ب إكرام بقدور، مقارنة فنية بين رواية البؤساء والمعذبون في الأرض، صفحة 123. بتصرّف.
- ↑ إكرام بقدور، مقارنة فنية بين البؤساء والمعذبون في الأرض، صفحة 178. بتصرّف.