تنتمي رواية تلك العتمة الباهرة لمؤلفها المغربي الطاهر بن جلون إلى أدب السجون، وفقًا لما ورد عن وليد محمود أبو ندى في قراءته التحليلية لها، وقد شغلت هذه الرواية حيزًا من دراسات النقاد والدارسين ونالت اهتمام القراء أيضًا، وفي هذا المقال قدمنا لكم تحليلًا مفصلًا لها.


تحليل رواية تلك العتمة الباهرة

يُشار إلى أنّ الكاتب الطاهر بن جلون قد حاول في هذه الرواية أن يعبّر عن الإنسان الذي يفقد إنسانيته ويصبح قاسيًا ومتجبرًا، وذلك من خلال تصوير معاناة السجناء وصراعهم مع عتمتهم الباهرة،[١] ولتوضيح الفكرة التي يريد الكاتب إيصالها تم تفكيك الرواية إلى عناصرها الأساسية وتحليلها على النحو الآتي:


العنوان

وفقًا لما ورد عن وليد محمود أبو ندى في قراءته التحليلية لهذه الرواية فقد جاء العنوان "تلك العتمة الباهرة" مُحملًا بالإيحاءات والدلالات؛ فلفظ "تلك" يحمل دلالة البُعد والترائي من بعيد، فهذه العتمة بعيدة تكاد لا تبين، كما أنها مُشوِّشة للحياة، أما لفظ "الباهرة" فهو صفة من صفات الضوء لا العتمة، وهذا يمثل انزياحًا في العنوان لتكون هذه العتمة حالكة وشديدة الظُلمة، وهذا ما كانت عليه حياة أبطال الرواية.


المكان

تدور الأحداث في رواية "تلك العتمة الباهرة" في أحد أشهر السجون في الصحراء المغربية، لكن هذا السجن لم يكن سجنًا عاديًا، بل كان حفرة أو خندقًا تحت الأرض، وبصورة عامة يُلاحظ ضعف حضور الأماكن المفتوحة في الرواية (مثل المدينة)، إذ كان حضورها في ذاكرة الشخصيات من خلال الاسترجاع، فكان للأماكن المغلقة الحضور الأوفر في الرواية، وهذا مناسب أكثر لتجسيد الأحداث والفكرة التي يريد الكاتب طرحها.[٢]


الشخصيات الرئيسية

تدور أحداث رواية تلك العتمة الباهرة حول شخصية رئيسية محورية واحدة، وهي:[٣]

  • سليم: يعد البطل المحوري في الرواية، يسرد فيها ما حدث له ولأصدقائه في السجن خلال ثمانية عشر عامًا قضاها هناك، وقد كان سليم يحب المطالعة قارئًا للكثير من الكتب ومتشبعًا بالثقافة الإسلامية، لكنه كان يحمل في نفسه الكثير من المشاعر المضطربة.


الشخصيات الثانوية

تدور أحداث رواية تلك العتمة الباهرة بين عدد من الشخصيات الثانوية، وهي:[٤]

  • حميد: هو السجين الذي يحمل الرقم 12، كان أول من فقد عقله بعد دخوله السجن بنفس تهمة سليم، وإثر معاناته داخل هذه العتمة مات بعد فترة وجيزة من دخوله السجن.
  • بوراس: هو أحد المساجين الموجودين مع سليم في السجن، كان يتصف بأنه شخص صامت لا يتكلم كثيرًا، بالرغم من أنه كان في السابق مشهورًا بحديثه المرح ودُعاباته.
  • العربي: هو أيضًا أحد المساجين، كان فتى طيب القلب وساذجًا بعض الشيء، لكنه أصبح بعد دخوله السجن شخصية مأساوية تعاني من الحرمان حتى من أبسط الأشياء.
  • عشار: يعد شخصية ثرثارة ويعلق على أبسط الأشياء ليُثير غضب رفاقه المعتقلين، كما اتصف باللؤم والعدوانية، وبالرغم من ذلك كان يحب أصدقاءه ويتأثر لموتهم.
  • واكرين: كانت هوايته المفضلة اصطياد العقارب، وكانت وظيفته في السجن إخراج السم من جسد أصدقائه، ويُشار إلى أنه استطاع رؤية النور بعد العتمة التي كان فيها.


الأحداث الرئيسية

تبدأ أحداث الرواية بحدث أمني اتهم سليم ومجموعة من الأشخاص بتنفيذه، فدخلوا على إثره إلى السجن، وهناك تبدأ معاناة سليم الذي حُكم عليه مدة عشر سنوات لكنه قضى هناك ثماني عشرة سنة، فقد صوّر الكاتب من خلال سليم وأصدقائه معاناة السجين في الحفرة التي كانت هي المهجع والمأكل والمشرب ومكان قضاء الحاجة في الوقت نفسه، كما ذكر الكاتب أسماء المساجين وأرقامهم وتفاصيل موتهم المرعبة.[٥]


العقدة

وفقًا لما ورد عن الدكتورة سمية الشوابكة في قراءتها التحليلية لهذه الرواية يظل الموت يحوم بين السجناء حتى يحصد أرواح ثمانية عشر سجينًا من أصل ثلاثة وعشرين، ليتبقى خمسة سجناء من بينهم سليم، الذي كان يتخذ من أبسط الأشياء وسيلةً للهروب من السجن في خياله وتجاوز الموت الذي يحوم حوله.


الحل

حمل أحد الحراس قصاصة من الورق إلى خارج السجن، وصلت إلى منظمة العفو الدولية بفضل ناشطة حقوقية دافعت عن قضية سليم ورفاقه، فيخرج سليم وبعض رفاقه من السجن، مع بقاء آثار الاعتقال الجسدية والنفسية، حتى إن سليم لم يستطع العيش طبيعيًا والتأقلم مع الخارج بالرغم من فكّ اعتقاله.[٥]


السمات الفنية في رواية تلك العتمة الباهرة

بعد قراءة رواية تلك العتمة الباهرة يُلاحظ أنها تتسم بعدد من الخصائص والسمات الفنية، منها على سبيل الذكر لا الحصر ما يأتي:[١]

  • اللجوء إلى الوصف الدقيق في معظم مواضع الرواية.
  • حضور الزمن النفسي في الرواية بوضوح، الأمر الذي ساهم في استخدام تقنية الاسترجاع بكثرة.
  • هيمنة السرد الأحادي على الرواية، بالاعتماد على سارد واحد مُسيطر.
  • اللجوء إلى الحوار الداخلي في أغلب الأحيان.


ولقراءة تحليل المزيد من روايات أدب السجون: رواية يا صاحبي السجن، رواية يسمعون حسيسها.

المراجع

  1. ^ أ ب صبرينة دنداني، وسيلة حداد، التراجيدي في رواية نلك العتمة الباهرة للطاهر بن جلول.pdf السرد التراجيدي في رواية تلك العتمة الباهرة، صفحة 115. بتصرّف.
  2. صبرينة دنداني، وسيلة حداد، التراجيدي في رواية نلك العتمة الباهرة للطاهر بن جلول.pdf السرد التراجيدي في رواية تلك العتمة الباهرة، صفحة 40. بتصرّف.
  3. صبرينة دنداني، وسيلة حداد، التراجيدي في رواية نلك العتمة الباهرة للطاهر بن جلول.pdf السرد التراجيدي في رواية تلك العتمة الباهرة، صفحة 81. بتصرّف.
  4. صبرينة دنداني، وسيلة حداد، التراجيدي في رواية نلك العتمة الباهرة للطاهر بن جلول.pdf السرد التراجيدي في رواية تلك العتمة الباهرة، صفحة 89. بتصرّف.
  5. ^ أ ب صبرينة دنداني، وسيلة حداد، التراجيدي في رواية نلك العتمة الباهرة للطاهر بن جلول.pdf السرد التراجيدي في رواية تلك العتمة الباهرة، صفحة 117. بتصرّف.